إسـ رائيل: الزيف التاريخي والوجه الملطّخ بالدماء

د. عباس قاسم عطية المرياني
منذ إعلان قيامها عام 1948، تثير “إسـ رائيل” جدلًا واسعًا بشأن مشروعيتها التاريخية وأخلاقيات ممارساتها السياسية والعسكرية. فقد حاولت الدعاية الصهيونية تقديم الكيان الإسرائيلي كدولة ديمقراطية في قلب الشرق الأوسط، غير أن الوقائع التاريخية والراهنة تكشف زيف هذا الادعاء، وتُظهر وجهًا آخر لها، إذ قامت على التزوير، والاستيطان، والعنف.
من أبرز الأساطير المؤسسة التي تبنّتها الصهيونية مقولة: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وهي مقولة دعائية هدفها إنكار الوجود العربي الفلسطيني العميق في هذه الأرض، وتجاهل قرونٍ من الحياة المدنية والثقافية والسياسية التي شهدتها فلسطين قبل المشروع الصهيوني. فقد كانت فلسطين مأهولة بسكانها، وبها مجتمع نشط، ومدن عامرة، وثقافة عربية إسلامية ومسيحية مزدهرة، قبل أن تبدأ الهجرات الصهيونية المكثفة في أواخر القرن التاسع عشر، بدعم استعماري غربي واضح.
لقد مهّدت اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور البريطاني الطريق لاحتلال فلسطين، من خلال شرعنة وجود الكيان الصهيوني وفرضه بالقوة. فلم يكن هذا الكيان ثمرة تطور طبيعي، بل جاء نتيجة تهجير قسري، وتطهير عرقي، ونكبة شعب بأكمله ما زال يعاني آثارها حتى يومنا هذا.
تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، ودُمّرت أكثر من 500 بلدة فلسطينية. وقد وثّقت منظمات دولية ومؤرخون مستقلون جرائم الطرد الجماعي، والقتل، والاغتصاب، والترويع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية آنذاك.
ورغم مرور عقود على تلك الجرائم، لم تتوقف الانتهاكات، بل تحوّلت إلى سياسة ممنهجة. من احتلال الضفة الغربية، والحصار الخانق على غزة، وبناء المستوطنات غير الشرعية، إلى التمييز العنصري الممنهج داخل “الخط الأخضر”، تمضي إسرائيل في تكريس نظامها الاستعماري الاستيطاني، الذي يتناقض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
ولا يمكن إغفال الدعم الغربي غير المحدود، الذي كان ولا يزال عاملًا أساسيًا في استمرار الجرائم الإسرائيلية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة. إذ تتلقى إسـ رائيل سنويًا مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية، وتُوفر لها الحماية في مجلس الأمن من أي إدانة أو مساءلة، ما يجعلها تتمتع بحصانة شبه مطلقة.
أما المجتمع الدولي، فرغم تقارير الإدانة والتوثيق، فإنه يعجز عن اتخاذ خطوات فعلية تردع الانتهاكات المستمرة، وتُحقق العدالة للشعب الفلسطيني.
إن مواجهة الخطر الإسرائيلي لا تقتصر على المواقف السياسية أو الوسائل العسكرية، بل تشمل أيضًا ترسيخ الوعي الحقيقي بالتاريخ، وكشف الأكاذيب التي تستند إليها الرواية الصهيونية، والدفاع عن حقوق شعب طُرد من أرضه، وهُجّر من دياره، وما زال يرزح تحت الاحتلال والاستبداد.
فإسـ رائيل ليست مجرد كيان غير شرعي في نظر القانون الدولي والأخلاق الإنسانية، بل هي نموذجٌ يرتدي قناع “الديمقراطية” ليُخفي خلفه وجهًا ملوثًا بالدماء.